الأحد، 30 أغسطس 2015

الحديث الثاني والثلاثين من الأربعين النووية

السلام عليكم ورحمة الله  وبركاته
اليوم أن شاء الله مع الحديث(٣٢) من الأربعين النووية....
🍂🍃🍂🍃


عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لو يُعطى الناس بدعواهم ، لادّعى رجالٌ أموال قوم ودماءهم ، لكن البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر )حديث حسن رواه البيهقي وغيره هكذا ، وبعضه في الصحيحين



📖✒الشرح

📚 هذا الحديث  أصلا في باب القضاء بين الناس ، إذ هو منهج يجب أن يسير عليه كل من أراد أن يفصل بين خصومات الناس ، ليعود الحق إلى نصابه وأهله ، ويرتدع أصحاب النفوس المريضة عن التطاول على حقوق غيرهم .


👈إن هذا الحديث  يبيّن أن مجرد ادعاء الحق على الخصم لا يكفي ، إذا لم تكن هذه الدعوى مصحوبة ببينة تبين صحة هذه الدعوى ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لكن البيّنة على المدّعي )


🌱قال صلى الله عليه وسلم: "لو يُعطى الناس بدعواهم"، يعني: لو كانت المسألة في الحكم مبنية على مجرد الدعوى، فلأجل البغضاء والشحناء بين الناس سيأتي من يدعي مال غيره، بل ويدعي دمه، فإذا مات من مات بأية طريقة جاء من ادعى أن فلاناً هو القاتل. ولو أعطي الناس بمجرد الدعوى، بلا بينة لحصل خلل كثير في الأمة وفي الناس؛ لأن نفوس الناس مبنية على المشاحة، وعلى البغضاء، وعلى الكراهة، فقد ينتج من ذلك أن يدعي أناس أموال قوم ودماءهم.

👈فقال صلى الله عليه وسلم: "لو يعطى الناس بدعواهم" يعني: بلا بينة على ما ادعوا "لادعى رجال أموال قوم ودماءهم"، وهذا الادعاء بلا بينة مرفوض؛


🌿ولهذا كان لزاماً على المدعي أن يأتي بالبينة. وعقَّب عليه كتفسير لذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: "ولكن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر"، قوله: "البينة" اسم لكل ما يبين الحق ويظهره، على الصحيح المختار، فالبينات إذاً كثيرة، فالشهود من البينات، والإقرار من البينات، والقرائن الدالة على المسألة من البينات، وفهم القاضي باختبار أيضاً للمسألة باختبار يختبر به الخصمين، فيظهر به له وجه الحق، هذا من البينات.

📚وأجمع أهل العلم على ما دل عليه هذا الحديث: من أن البينة على المدعي، وأن المدعي لا تؤخذ دعواه، ولا يلتفت لها من حيث مطالبته بشيء، حتى يأتي ببينة تثبت له هذا الحق.


🌱قال: "البينة على المدعي" يعني: إذا أتى أحد وقال: أنا أدعي على فلان بأنه أخذ أرضي، أو أخذ سيارتي، أو أخذ من مالي كذا وكذا، أو أني أقرضته بكذا وكذا، وأطالبه برده، فيقال: أين البينة التي تثبت ذلك؟ هل عندك شهود؟ هذا نوع من البينات، هل عندك ورقة مشهود عليها ؟ أو أشباه ذلك تثبت ذلك، ما دليلك، أو ما بينتك على هذا؟ فيأتي بالبينة، فلا ينظر إلى دعواه مجردة حتى يأتي ببينة.




👈فمن ذلك : الشهود ، فعندما يشهد الشهود على حق من الحقوق فإن ذلك من أعظم البراهين على صدق المدّعي ، ومن هنا أمرنا الله بالإشهاد في الدَّيْن حفظا لهذا الحق من الضياع فقال : { واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } ( البقرة : 282 ) .

📔ومن البينات أيضا : إقرار المدعى عليه ، وهو في الحقيقة من أعظم الأدلة على صحة الدعوى ، كما ذكر ذلك الفقهاء ، ومن هذا الباب أيضا : القرائن الدالة على القضية ، وفهم القاضي للمسألة باختبار يجريه على المتخاصمين ، إلى غير ذلك من أنواع البيّنات .فإذا افتقرت هذه الخصومة إلى بينة تدل على الحق ، أو لم تكتمل الأدلة على صحتها ، توجه القاضي إلى المدعى عليه ، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بالمنكر ، والمقصود أنه ينكر الحق الذي يطالبه به خصمه ، وينكر صحة هذه الدعوى .ويطلب القاضي من المدعى عليه أن يحلف على عدم صدق هذه الدعوى ، فإذا فعل ذلك ، برئت ذمته ، وسقطت الدعوى ،
👈والدليل على ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه أن الأشعث بن قيس رضي الله عنه قال : " كانت بيني وبين رجل خصومة في بئر ، فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله : ( شاهداك أو يمينه ) .


📚وهناك بعض الحالات لا يكون ثَمَّ بينة للمدعي، وهي الأمور المالية، فيتوجه فيها اليمين على المدعى عليه، يعني: أنه يقول: هذا خصمي أخذ شيئاً من مالي، فيقول الخصم: ليس له عندي شيء. فهنا أنكر المدعى عليه أحقية المدعي بشيء، ولا بينة للمدعي على ذلك، فيرى القاضي أن تتوجه اليمين إلى المنكر، يعني: إلى المدعى عليه الذي يقول: ليس له عندي شيء. وهذا معنى قوله: "واليمين على من أنكر"، أو "اليمين على المدعى عليه"، يعني: من طُولب بحق فأنكره، ولا بينة واضحة ثابتة تدل عليه، وإنما هناك نوع بينة ولكنها لم تكمل، فيرى القاضي أن هناك حاجة لطلب اليمين، فإنه تتوجه اليمين للمدعى عليه؛ لأنه منكر.



👈نفهم من هذا أن المدعي لا يطالب باليمين؛ لأنه هو صاحب الدعوى، فإنما عليه البينة، كذلك المدعى عليه إذا أنكر، فإنما عليه اليمين، ويبرأ طبعاً، وإذا كان المدعى عليه عنده بينات أخرى فيدلي بها، وتكون بينة أقوى من بينة خصمه.


📔المقصود من هذا الحديث أن الشريعة جاءت في القضاء بإقامة العدل والحق، وأن هذا إنما يكون باجتماع القرائن والدلائل والبينات على ثبوت الحق لأحد الخصمين، وأن الحاكم لا يحكم بمجرد رأيه ولا بعلمه، فلا يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه، وإنما يحكم بما دلت عليه الدلائل، فلو أتاه رجل من أصدق الناس وأصلحهم وقال: لي على فلان كذا وكذا ولا بينة، فإنه لا يحكم بعلمه في ذلك، ولو كان هو يعلم بعض ما في المسألة من الأمور، فلا بد من البينة من المدعي، ولا بد من إثبات ذلك فيحكم له، أو اليمين على من أنكر في بعض المسائل



📔ولعل سائلا يسأل : لماذا اختص المدعي بالبينة ، والمنكر باليمين ؟ وما هي الحكمة من هذا التقسيم ؟

👈والجواب على ذلك : أن الشخص إذا ادعى على غيره أمرا ، فإنه يدعي أمرا خفيا يخالف ظاهر الحال ، فلذلك يحتاج إلى أن يساند دعواه تلك ببيّنة ظاهرة قوية تؤيد صحة دعواه، بينما يتمسّك المنكر بظاهر الأمر ، ويبقى على الأصل ، فجاءت الحجة الأضعف – وهي اليمين – في حقه .فإذا لم يأت المدعي بالبينة ، وأنكر المدعى عليه استحقاق خصمه وحلف على ذلك ، لزم القاضي أن يحكم لصالح المنكر ، لأنه حكمه هذا مبني على ظاهر الأمر والحال

📔.لكن ثمة أمر ينبغي التنبيه عليه ، وهو أن قضاء القاضي لا يحل حراما ولا يحل حلالا ، ولا يغير من حقائق الأمور ، لأن القاضي لا يعلم الغيب ، وقد يكون هناك من الأدلة الزائفة أو الشهادات الكاذبة ما يخفى عليه فيحكم بموجبها ،

👈كما ثبت في البخاري ومسلم عن أم سلمة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، وأقضي له على نحو مما أسمع ، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذ ، فإنما أقطع له قطعة من النار ) ، 🌱وشدد النبي صلى الله عليه وسلم على تخويف الناس من أخذ الحرام فقال : ( من حلف على يمين يستحق بها مالا هو فيها فاجر - أي كاذب - ، لقي الله وهو عليه غضبان ) ، وأنزل الله تصديق ذلك : { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم } ( آل عمران : 77 ) .

📚وعلى أية حال : فإن هذا الحديث تربية شاملة للأمة الإسلاميةت على الأمانة في أقوالهم ، والعدل في أحكامهم ، دون النظر إلى لون أو جنس أو معرفة سابقة ، وجدير بمجتمع يقوم على هذه القيم أن يكتب له التمكين على الأرض .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق