الثلاثاء، 18 أغسطس 2015

الحديث السابع من الأربعين النووية


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اليوم ان شاء الله مع الحديث السابع من الاربعين النوويه

عـن أبي رقية تميم بن أوس الداري (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:

"الدين النصيحة"، قلنا لمن؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".

(رواه مسلم)

الشرح

حديثنا الذي نتناوله في هذا المقال حديث عظيم ، ويكفيك دلالة على أهميته أنه يجمع أمر الدين كله في عبارة واحدة ، وهي قوله صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ) ، فجعل الدين هو النصيحة ، كما جعل الحج هو عرفة ، إشارةً إلى عظم مكانها ، وعلو شأنها في ديننا الحنيف

لكن إذا تأملت في كون هذه الأشياء لها النصيحة رأيت أنها جمعت الدين كله، في العقائد، وفي العبادات والمعاملات، وفي حقوق الخلق، وحقوق من له الحق بجميع صوره.

🌿🌿🌿🌿
قالوا: (لمن يا رسول الله؟) واللام هنا في قولهم: (لمن)، هي لام الاستحقاق، يعني: من يستحقها في الدين؟ فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"، فاشتملت على أمور:


الأول: النصيحة لله: وهي كلمة جامعة لأداء حق الله جل جلاله الواجب والمستحب، فحق الله الواجب هو الإيمان به:
بربوبيته: الإيمان بأنه هو الرب المتصرف في هذا الملكوت وحده، لا شريك له في ربوبيته، ولا في تدبيره للأمر، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، يحكم ما يشاء، ويفعل ما يريد سبحانه وتعالى.
وألوهيته: بأن يُعْبَد وحده بجميع أنواع العبادات، وألا يُتَوَجَّه لأحد بشيء من العبادات إلا له سبحانه وتعالى، فكل عبادة تُوُجِّه بها إلى غير الله جل جلاله هي خروج عن النصيحة لله سبحانه وتعالى، يعني: خروج عن أداء الحق الذي له جل جلاله. 1. وأسمائه وصفاته: بأن يؤمن العبد بأن الله جل جلاله له الأسماء الحسنى، والصفات العلا، وأنه لا سَمِي له، ولا ند له، ولا كفوَ له، كما قال جل جلاله: ( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) (مريم: 65 ) وقال جل جلاله: ( وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) (الإخلاص: 4) وقال جل جلاله: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (الشورى: 11) إلى غير ذلك من الآيات، فيعتقد المسلم أن الله جل جلاله له ما أثبت لنفسه من الأسماء الحسنى، والصفات العلا، وأنه في أسمائه وصفاته ليس له مثيل، فالغلو في الصفات بالتجسيم ترك للنصيحة الواجبة، والتفريط فيها، والجفاء بالتعطيل ترك للنصيحة الواجبة، والنصيحة بالتئام ما بينك وبين الله -جل جلاله- في شأن أسمائه وصفاته أن تثبت له الأسماء الحسنى، والصفات العلا، من غير تمثيل ولا تعطيل، ومن غير تحريف ولا تأويل يصرفها عن حقائقها اللائقة بالله جل جلاله.
أيضا من النصيحة لله جل جلاله أن يُحَبَّ جل جلاله، وأن يُتَّبَع أمره وشريعته، وأن يصدق خبره جل جلاله، وأن يقبل المرء عليه بقلبه مخلصا له الدين، فالإخلاص في الأقوال والأعمال حق الله جل جلاله، والذي يعمل ويقع في قلبه غير الله من جهة الرياء أو من جهة التسميع لم يؤد الذي لله جل جلاله.
💫💫

قال: "وكتابه" يعني: النصيحة مستحقة للكتاب، وهو القرآن، ومعنى ذلك: أن يُعْطَى القرآن حقه، وهو أن يُوقن بأنه كلام الله جل جلاله تكلم به سبحانه وتعالى، وأنه آية عظيمة، وأعظم الآيات التي أوتيها الأنبياء، وأنه الحجة البالغة إلى قيام الساعة، وأن هذا القرآن فيه الهدى والنور، كما قال تعالى: ( يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) (الإسراء: 9) وأن ما أمر الله به في القرآن وجب إنفاذه، وما نهى عنه وجب الانتهاء عنه، وما أخبر به سبحانه وتعالى فيه وجب تصديقه، وعدم التردد فيه، إلى غير ذلك ممَّا يستحقه القرآن.
وأيضا من النصيحة المستحبَّة للقرآن أن يُكثر تلاوته، وألا يهجره في تلاوته وتدبره، وفي العلاج به، وأشباه ذلك مما جاءت به السنة في حق القرآن، فهذا من التواصل بين صاحب النصيحة -وهو العبد المكلَّف- وبين القرآن ؛ فإن النصيحة التئام واجتماع فيما بين هذا وهذا، ولا يكون الاجتماع إلا بأداء الحق، وهذا الحق على العبد للقرآن على نحو المعنى الذي أسلفت.
💫💫
قال: "ولرسوله"، كذلك النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم تكون بطاعته صلى الله عليه وسلم فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نَهَى وزجر، وألا يُعْبَد الله إلا بما شرع رسوله صلى الله عليه وسلم وأن يؤمن العبد بأنه صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وأن كل دعوة للرسالة بعده صلى الله عليه وسلم كذب وزور وباطل وطغيان، وأنه صلى الله عليه وسلم هو الذي يطاع، كما قال سبحانه وتعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (الحشر: 7)، وهو الذي يحب صلى الله عليه وسلم لأمر الله جل جلاله بذلك، ولما يستحقه من المحبة الواجبة، وأن تُقَدَّمَ مَحَبّته على مَحَابّ  العبد
فإن اتباع سنته دليل محبته

💫💫
قال: "ولأئمة المسلمين" والنصيحة لأئمة المسلمين
والمراد بهم العلماء
والأمراء على السواء ، فالعلماء هم أئمة الدين ، والأمراء هم أئمةٌ الدنيا ،
 فأما النصح للعلماء : فيكون بتلقّي العلم عنهم ، والالتفاف حولهم ، والتعلم منهم ونشر مناقبهم وعدم الخوض في اعراضهم، ومن النصح لهم : عدم تتبع أخطائهم وزلاتهم ، فإن هذا من أعظم البغي والعدوان عليهم، وفيه من تفريق الصف وتشتيت الناس ما لا يخفى على ذي بصيرة

. وأما النصيحة لأئمة المسلمين فتكون بإعانتهم على القيام بما حمّلوا من أعباء الولاية ، وشد أزرهم على الحق ، وطاعتهم في المعروف ونصيحتهم اذا حادوا عن الطريق باللين

💫💫 .


 والموطن الرابع من مواطن النصيحة : عامة الناس ، وغاية ذلك أن تحب لهم ما تحب لنفسك، فترشدهم إلى ما يكون لصالحهم في معاشهم ومعادهم ، وتهديهم إلى الحق إذا حادوا عنه ، وتذكّرهم به إذا نسوه ، متمسكا بالحلم معهم والرفق بهم ، وبذلك تتحقق وحدة المسلمين ، فيصبحوا كالجسد الواحد : ( إذا اشتكى منه عضو ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) .
فهذه هي مواطن النصيحة التي أرشدنا إليها النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا عملنا بها حصل لنا الهدى والرشاد ، والتوفيق والسداد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق