السبت، 5 سبتمبر 2015

الحديث الثاني والأربعين من الأربعين النووية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... اليوم إن شاء الله مع الحديث (٤٢) من الأربعين النووية 🍂 🍃 🍂 🍃 عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يُؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ) حديث صحيح رُويناه في كتاب الحجّة بإسناد صحيح . قال عنه الإمام النووي حسن صحيح ولكن هذا بعيد من وجوه فالحديث محل خلاف بين علماء الحديث ﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﻋﺴﺎﻛﺮ : " ﺣﺪﻳﺚ ﻏﺮﻳﺐ " . ﻭﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﺭﺟﺐ : " ﺗﺼﺤﻴﺢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺑﻌﻴﺪ ﺟﺪﺍً " . ﻭﺿﻌﻔﻪ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻷﻟﺒﺎﻧﻲ . ﻗﻠﺖ : ﻧﻌﻴﻢ ﺿﻌﻴﻒ ، ﻭﻓﻴﻪ ﻣﻘﺎﻝ ﻣﻌﺮﻭﻑ . ﻭ ﻋﻘﺒﺔ ﺑﻦ ﺃﻭﺱ ﻟﻢ ﻳﺜﺒﺖ ﻟﻪ ﺳﻤﺎﻉ ﻣﻦ ﺍﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ . ﻓﺘﺒﻴﻦ ﻣﻤﺎ ﺳﺒﻖ ﺃﻥ ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﺛﻼﺙ ﻋﻠﻞ : -1 ﺿﻌﻒ ﻧﻌﻴﻢ ﺑﻦ ﺣﻤﺎﺩ . -2 ﺍﺿﻄﺮﺍﺏ ﻧﻌﻴﻢ ﻓﻴﻪ . -3 ﺍﻧﻘﻄﺎﻋﻪ ﺑﻴﻦ ﻋﻘﺒﺔ ﺑﻦ ﺃﻭﺱ ، ﻭﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ . ﻭﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﺻﺤﺤﻪ ﺃﺑﻮﻧﻌﻴﻢ ﺑﺈﺧﺮﺍﺟﻪ ﻟﻪ ﻓﻲ " ﺍﻷﺭﺑﻌﻴﻦ " ! ﻭﺍﻟﻨﻮﻭﻱ ﻓﻲ " ﺍﻷﺭﺑﻌﻴﻦ " ‏! ﻭﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﺣﺠﺮ ﻓﻲ " ﺍﻟﻔﺘﺢ " ‏: " ﺭﺟﺎﻟﻪ ﺛﻘﺎﺕ وقال عنه صحيح الإسناد 👈ﻭﻣﻌﻨﺎﻩ ﺻﺤﻴﺢ ﻗﻄﻌﺎ ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﺼﺢ ﺇﺳﻨﺎﺩﻩ ﻭﺃﺻﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻛﺜﻴﺮ ﻛﻘﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ }ﻓﻼ ﻭﺭﺑﻚ ﻻ ﻳﺆﻣﻨﻮﻥ ﺣﺘﻰ ﻳﺤﻜﻤﻮﻙ ﻓﻴﻤﺎ ﺷﺠﺮ ﺑﻴﻨﻬﻢ { ﺍﻵﻳﺔ ﻭﻗﻮﻟﻪ } ﻭﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻟﻤﺆﻣﻦ ﻭﻻ ﻣﺆﻣﻨﺔ ﺇﺫﺍ ﻗﻀﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ﺃﻣﺮﺍ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺨﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺃﻣﺮﻫﻢ { ﻭﻗﻮﻟﻪ }ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﺠﻴﺒﻮﺍ ﻟﻚ ﻓﺎﻋﻠﻢ ﺃﻧﻤﺎ ﻳﺘﺒﻌﻮﻥ ﺃﻫﻮﺍﺀﻫﻢ { ﻭﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﻓﻼ ﻳﻀﺮ ﻋﺪﻡ ﺻﺤﺔ ﺇﺳﻨﺎﺩﻩ لأنه يرقى للتحسين فيصبح حسنا لأن له شواهد من القرآن والسنة 📘📗ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺻﺎﻟﺢ ﺁﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻓﻲ ﺷﺮﺣﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺑﻌﻴﻦ : ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺣﺪﻳﺚ ﻣﺸﻬﻮﺭ؛ ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻜﻮﻧﻪ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ، ﻗﺎﻝ - ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ :- ﻻ ﻳﺆﻣﻦ ﺃﺣﺪﻛﻢ، ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﻮﺍﻩ ﺗﺒﻌﺎ ﻟﻤﺎ ﺟﺌﺖ ﺑﻪ ﻭﻫﺬﺍ ﺣﺪﻳﺚ ﺣﺴﻦ، ﻛﻤﺎ ﺣﺴﻨﻪ ﻫﻨﺎ ﺍﻟﻨﻮﻭﻱ، ﺑﻞ ﻗﺎﻝ : ﺣﺪﻳﺚ ﺣﺴﻦ ﺻﺤﻴﺢ، ﻭﺳﺒﺐ ﺗﺤﺴﻴﻨﻪ ﺃﻧﻪ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻵﻳﺔ، ﻭﻫﻲ ﻗﻮﻟﻪ - ﺟﻞ ﻭﻋﻼ :- } ﻓَﻠَﺎ ﻭَﺭَﺑِّﻚَ ﻟَﺎ ﻳُﺆْﻣِﻨُﻮﻥَ ﺣَﺘَّﻰ ﻳُﺤَﻜِّﻤُﻮﻙَ ﻓِﻴﻤَﺎ ﺷَﺠَﺮَ ﺑَﻴْﻨَﻬُﻢْ ﺛُﻢَّ ﻟَﺎ ﻳَﺠِﺪُﻭﺍ ﻓِﻲ ﺃَﻧْﻔُﺴِﻬِﻢْ ﺣَﺮَﺟًﺎ ﻣِﻤَّﺎ ﻗَﻀَﻴْﺖَ ﻭَﻳُﺴَﻠِّﻤُﻮﺍ ﺗَﺴْﻠِﻴﻤًﺎ { ﻭﺗﺤﺴﻴﻦ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ، ﺑﻤﺠﻲﺀ ﺁﻳﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﻣﺬﻫﺐ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺘﻘﺪﻣﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻛﺎﺑﻦ ﺟﺮﻳﺮ ﺍﻟﻄﺒﺮﻱ ، ﻭﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺣﺬﺍﻕ ﺍﻷﺋﻤﺔ ﻭﺍﻟﻤﺤﺪﺛﻴﻦ . ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺻﺤﺤﻪ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺣﺎﻓﻆ ﺣﻜﻤﻲ ﻓﻲ " ﻣﻌﺎﺭﺝ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ " ‏ أي أن الحديث يرتفع من الضعيف إلى الحسن لأن له طرق أخرى وشواهد وبذلك يجوز العمل به لأنه أصبح حديثا حسن الإسناد كان لابد من توضيح هذا الأمر في البدايه 📖✒الشرح 👈قوله: "لا يؤمن" هذه تكثر في النصوص، ويراد منها هنا نفي كمال الإيمان، لأن الإيمان له كمال وله حد أدنى، أما الحد الأدنى منه فهو الذي يصح به الإسلام، فكل أحد ما دام أنه يصدق عليه اسم الإسلام وأنه مسلم فمعه من الإيمان ما يصحح به ذلك الإسلام وهو: إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله تعالى، وكمال الإيمان هو نهايته، 👈يعني: الإيمان المطلق، فلا يؤمن حتى يكون هواه تبعا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن كان هواه ومحبته في كل مسألة من مسائل حياته، وفي كل أمر من أموره، تابعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كمل إيمانه، 📗 وقد قال صلى الله عليه وسلم: "كمل من الرجال كثير"، وهذا كمال من جهة الطاعة، لكن قد يأتي ما يجعله ناقصاً بذنب آخر، ولكن إذا خالف العبد وغلبته نفسه، وصار في هواه بعض المسائل في غير طاعة الله، وفضل غير طريقة النبي صلى الله عليه وسلم، فاختار المعصية، واختار التفريط في الواجب، فهذا ينقص من إيمانه بقدر ما فوت من واجبات الإيمان. 📗📘وزيادة الإيمان ونقصانه أصل عند أهل السنة والجماعة 👈أن الإيمان قول اللسان. 👈 أنه اعتقاد الجنان. 👈 أنه عمل بالأركان. 👈أنه يزيد بطاعة الرحمن.. 👈أنه ينقص بطاعة الشيطان وبمعصية الرحمن. 📚والإيمان متفاضل، كلما عمل العبد طاعة زاد إيمانه، وكلما عمل العبد معصية نقص إيمانه، فبقدر المعصية ينقص الإيمان، وبقدر إيمانه ومتابعته وإحداثه للطاعات يزيد إيمانه، سواء كانت طاعات القلوب من الاعتقادات والأعمال، أو طاعات الجوارح من الأعمال الصالحات، فإن الإيمان يزداد بذلك، فإذا عمل معصية نقص الإيمان. 📗📘ولهذا الحديث مدلوله في بيان ضرورة التزام منهج الله تعالى ، والإذعان لأحكامه وشرائعه ، فإن المؤمن إذا رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ، حمله ذلك على أن يحكّم شرع الله في حياته ، فيحل حلاله ، ويحرم حرامه ، ويحب ما دعا إليه ، ويبغض ما نهى عنه ، ولا يجد في ذلك ضيقا أو تبرما ، بل إننا نقول : لا يعد إيمان العبد صادقا حتى يكون على مثل هذه الحالة من الانقياد ظاهرا وباطنا ، والتسليم التام لحكم الله ورسوله ، 👈 كما دلّ عليه قوله تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } ( النساء : 56 ) . 👈 وهذا يقتضي من العبد أن يحب الله ورسوله فوق كل شيء ، ويقدّم أمرهما على كل أمر ، كما قال تعالى : { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين } ( التوبة : 24 ) .  📩📩ولسنا نريد بهذه المحبة مجرد كلمات تقال ، أو شعارات ترفع ، لا تثمر عملا ولا انقيادا ، فإن لكل محبة دليلا ، ودليل صدق المحبة موافقة المحبوب في مراده ، وعدم إتيان ما يكرهه أويبغضه ، وإلا فهي دعاوى لا حقيقة لها ، وقد قال العلماء : " كل من ادّعى محبة الله ولم يوافق الله في أمره فدعواه باطلة " . 📌 وإنك لتقرأ في سير الصحابة الكرام ومن بعدهم ، فتعتريك الدهشة حين تجد منهم الامتثال الفوري للدين ، دون تأخير أو إبطاء ، 👈واستمع إلى أنس رضي الله عنه وهو يصف لنا مشهدا من غزوة خيبر فيقول : " أصبنا حمرا فطبخناها ، فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر ، فإنها رجس ، فأكفئت القدور بما فيها ، وإنها لتفور باللحم " ، 👈 وقريبٌ من ذلك ما ذكر في يوم تحريم الخمر ، إذ امتلأت طرق المدينة بالخمور المراقة على الأرض ، هذا مع شدة حبهم لها ، وتعلقهم بها منذ الجاهلية ، ولكنهم – رضي الله عنهم – قدموا رضا الله فوق كل شيء ، ولم يتقاعسوا عن طاعته طرفة عين . 📘📗وكفى بهذا الانقياد ثمرة أن يجد المرء في قلبه حلاوة الإيمان ولذته ، فقد روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : - وذكر منها - أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ) . 📩📩وإذا عدنا إلى قوله صلى الله عليه وسلم : ( حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ) لعلمنا أن الغاية المطلوبة هي إخضاع رغبات النفس ومرادها لأوامر الشرع ، وليس المراد أن يحصل التوافق التام بين رغباتها وبين مراد الشارع ، فإن ذلك في الحقيقة أمر عسير ، إذ النفس مفطورة على اتباع الهوى والأمر بالسوء  ، فجاء الحديث ليبيّن أن اكتمال الإيمان مرهون بالانقياد للشرع ، ولم يعلّق كمال الإيمان على تغيير طبيعة النفس ، المجبولة على حب المعاصي والشهوات إلا من رحم الله . 👈ومن هنا ندرك أن مخالفة الهوى تتطلّب همّة عالية ، وعزيمة صادقة ، فلا عجب أن يكون جهاد النفس من أفضل الجهاد عند الله ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسه وهواه ) رواه ابن النجار وصحّحه الألباني.

الثلاثاء، 1 سبتمبر 2015

الحديث الحادي والأربعين من الأربعين النووية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
اليوم أن شاء الله مع الحديث (٤١) من الأربعين النووية

🍂 🍃 🍂 🍃

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

قال الله تبارك وتعالى: (يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ؛ ، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة)

رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح



📖✒الشرح


👈هذا الحديث الذي أورده الإمام النووي رحمه الله من الأحاديث القدسيه

معاني المفردات

📌 عنان السماء: وهو السحاب وقيل ما انتهى إليه البصر منها.

📌 قراب الأرض: ملؤها أو ما يقارب ملأها.

إنك ما دعوتني ورجوتني: أي ما دمت تدعوني وترجوني.


📌 ولا أبالي: أي إنه لا تعظم علي مغفرة ذنوبك وإن كانت كبيرة وكثيرة.

🍒منزلة الحديث

هذا الحديث من أرجى الأحاديث في السنة، ففيه بيان سعة عفو الله تعالى ومغفرته لذنوب عباده، وهو يدل على عظم شأن التوحيد، والأجر الذي أعده الله للموحدين، كما أن فيه الحث والترغيب على الاستغفار والتوبة والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى.

📗📘أسباب المغفرة

وقد تضمن هذا الحديث أهم ثلاثة أسباب تحصل بها مغفرة الله وعفوه عن عبده مهما كثرت ذنوبه وعظمت، وهذه الأسباب هي:

👈 1⃣- الدعاء مع الرجاء:

فقد أمر الله عباده بالدعاء ووعدهم عليه بالإجابة، فقال سبحانه: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } (غافر: 60)،

👈وقال - صلى الله عليه وسلم -: (الدعاء هو العبادة، ثم قرأ هذه الآية) رواه أحمد ،
🌿ولكن هذا الدعاء سبب مقتض للإجابة عند استكمال شرائطه وانتفاء موانعه، فقد تتخلف الإجابة لانتفاء بعض الشروط والآداب أو لوجود بعض الموانع.

🍃ومن أعظم شروط الدعاء حضور القلب، ورجاء الإجابة من الله تعالى، قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه الترمذي : (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه) ،حسنه حسنه الألباني

 👈ولهذا أُمِر العبد أن يعزم في المسألة وألا يقول في دعائه اللهم اغفر لي إن شئت،
ونُهِي أن يستعجل ويترك الدعاء لاستبطاء الإجابة، وجُعِل ذلك من موانع الإجابة حتى لا يقطع العبد حبل الرجاء ولو طالت المدة، فإنه سبحانه يحب الملحين في الدعاء، وما دام العبد يلح في الدعاء ويطمع في الإجابة مع عدم قطع الرجاء، فإن الله يستجيب له ويبلغه مطلوبه ولو بعد حين،
 ومن أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له.

👈2⃣- الاستغفار مهما عظمت الذنوب:

السبب الثاني من أسباب المغفرة المذكورة في الحديث، هو الاستغفار مهما عظمت ذنوب الإنسان، حتى لو بلغت من كثرتها عنان السماء وهو السحاب أو ما انتهى إليه البصر منها،

🍃 وقد ورد ذكر الاستغفار في القرآن كثيراً فتارة يأمر الله به كقوله سبحانه: {واستغفروا الله إن الله غفور رحيم } (المزمل: 20)،
 وتارة يمدح أهله كقوله تعالى: {والمستغفرين بالأسحار } (آل عمران: 17)،
وتارة يذكر جزاء فاعله كقوله تعالى: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما } (النساء: 110).

👈 والاستغفار الذي يوجب المغفرة هو الاستغفار مع عدم الإصرار على المعصية والذنب، وهو الذي مدح الله تعالى أهله ووعدهم بالمغفرة في قوله: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون } (آل عمران: 135)، 👈وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أذنب عبد ذنبا فقال اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب اعمل ما شئت فقد غفرت لك) والمعنى أي ما دمت على هذ الحال كلما أذنبت استغفرت من ذنبك،
👈قال بعض الصالحين: من لم يكن ثمرة استغفاره تصحيح توبته فهو كاذب في استغفاره،
👈 وكان بعضهم يقول: استغفارنا هذا يحتاج إلى استغفار كثير.

👈وأفضل أنواع الاستغفار أن يبدأ العبد بالثناء على ربه، ثم يثني بالاعتراف بذنبه، ثم يسأل الله المغفرة، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيح: (سيد الاستغفار أن تقول اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، قال ومن قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة)،
🍃ومن صيغ الاستغفار العظيمة ما ورد في الحديث الصحيح عند الترمذي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان فر من الزحف) .

📔ولكن هل الاستغفار مجرّد قول الإنسان: اللهم اغفر لي، أو أستغفر الله؟

⏩الجواب: لا، لابد من فعل أسباب المغفرة وإلا كان دعاؤه كالاستهزاء

🌿والتوبة: من تاب يتوب أي رجع. وهي الرجوع من معصية الله إلى طاعته.
ويشترط لها شروط:

👈الشرط الأول: الإخلاص:

والإخلاص شرط في كل عبادة، والتوبة من العبادات، قال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)(البينة: الآية5) فمن تاب مراءاة للناس، أو تاب خوفاً من سلطان لاتعظيماً لله عزّ وجل فإن توبته غير مقبولة.

👈الشرط الثاني: الندم على ما حصل:

وهو انكسار الإنسان وخجله أمام الله عزّ وجل أن فعل مانهي عنه، أو ترك ما أوجب عليه.

أنه يسيطر عليه إذا أشعر نفسه بأنه في خجل من الله عزّ وجل وحياء من الله ويقول: ليتني لم أفعل وما أشبه ذلك.

👈الشرط الثالث: الإقلاع عن المعصية التي تاب منها

👈الشرط الرابع: العزم على أن لايعود:

فلابد من هذا، فإن تاب من هذا الذنب لكن من نيته أن يعود إليه متى سنحت له الفرصة فليس بتائب، ولكن لو عزم أن لايعود ثم سوّلت له نفسه فعاد فالتوبة الأولى لاتنتقض، لكن يجب أن يجدد توبة للفعل الثاني.



👈3⃣ التوحيد الخالص:

السبب الثالث من أسباب المغفرة تحقيق التوحيد، وهو من أهم الأسباب وأعظمها، فمن فقدَه فقَدَ المغفرة، ومن جاء به فقَدْ أتى بأعظم أسباب المغفرة،

🍃قال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما} (النساء: 48)،

🍃والتوحيد في الحقيقة ليس مجرد كلمة تنطق باللسان من غير فقه لمعناها، أو عمل بمقتضاها، إذاً لكان المنافقون أسعد الناس بها، فقد كانوا يرددونها بألسنتهم صباح مساء ويشهدون الجمع والجماعات،
👈ولكنه في الحقيقة استسلام وانقياد، وطاعة لله ولرسوله، وتعلق القلب بالله سبحانه محبة وتعظيما، وإجلالا ومهابة، وخشية ورجاء وتوكلا، كل ذلك من مقتضيات التوحيد ولوازمه، وهو الذي ينفع صاحبه يوم الدين.

الحديث الأربعين من الأربعين النووية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته....
اليوم إن شاء الله مع الحديث (٤٠)من الأربعين النووية...
🍃 🍂 🍃 🍂

عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربِه عز وجل أنه قال : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أُطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي إنكم تخطئون بالليلِ والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم ، يا عبادي إِنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجرِ قلب واحد منكم ما نقص من ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني ، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ، يا عِبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ) رواه مسلم



📚الشرح


👈وهذا الحديث الذي أورده الإمام النووي رحمه الله من الأحاديث القدسيه
معاني المفردات

📌 الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، ويطلق على مجاوزة الحد، والتصرف في حق الغير بغير وجه حق.

📌فلا تظالموا: أي لا يظلم بعضكم بعضاً.

📌فاستهدوني: اطلبوا الهداية مني.

📌صعيد واحد: الصعيد الموضع المرتفع أو الواسع من الأرض، والمقصود في أرض واحدة ومكان واحد.

📌المِخْيط: بكسر الميم وسكون الخاء، ومعناه الإبرة

📌أُحصيها لكم: أضبطها لكم بعلمي وملائكتي الحفظة.

📌أوفيكم إياها: أعطيكم جزاءها في الآخرة.



📗منزلة الحديث



اشتمل هذا الحديث على كثير من قواعد الدين وأصوله، فنص على تحريم الظلم بين العباد، وهو من أعظم المقاصد التي جاءت الشريعة بتقريرها، وجاء التأكيد فيه على أهمية الدعاء، وطلب الهداية من الله وحده، وسؤال العبد ربه كل ما يحتاجه من مصالح دينه ودنياه، والدعاء هو العبادة.


👈كما أنه تضمن تنزيه الله، وإثبات صفات الكمال ونعوت الجلال له سبحانه، وبيان غناه عن خلقه وأنه لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين، وفيه أيضاً التنبيه على محاسبة النفس، وتفقد الأعمال، والندم على الذنوب،


👈ولذلك كان أبو إدريس الخولاني إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه، وكان الإمام أحمد يقول عنه: هو أشرف حديث لأهل الشام .


📩تحريم الظلم


لما كانت حقيقة الظلم هي وضع الشيء في غير موضعه، نزه سبحانه نفسه عن الظلم قال سبحانه: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها } (النساء: 40)، وقال عز وجل: {وما ربك بظلام للعبيد } (فصلت: 46)، فهو سبحانه أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين، وكما حرم الظلم على نفسه جل وعلا فكذلك حرمه على عباده ونهاهم أن يتظالموا فيما بينهم.




📗والظلم نوعان:

1⃣ظلم العبد لنفسه، وأعظمه الشرك بالله عز وجل ، قال سبحانه: {إن الشرك لظلم عظيم } (لقمان: 13)،

 لأن الشرك في حقيقته هو جعل المخلوق في منزلة الخالق، فهو وضع الأشياء في غير مواضعها،

👈 ثم يليه ارتكاب المعاصي على اختلاف أجناسها من كبائر وصغائر، فكل ذلك من ظلم العبد لنفسه بإيرادها موارد العذاب والهلكة في الدنيا والآخرة، قال سبحانه: {ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه } (البقرة: 231).

2⃣وأما النوع الثاني من أنواع الظلم: فهو ظلم الإنسان لغيره بأخذ حقه أو الاعتداء عليه في بدنه أو ماله أو عرضه أو نحو ذلك، وقد وردت النصوص كثيرة ترهب من الوقوع في هذا النوع، من ذلك - قوله - صلى الله عليه وسلم - في خطبته في حجة الوداع: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال


 - أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خطَب الناسَ يومَ النحرِ فقال : يا أيُّها الناسُ أيُّ يومٍ هذا؟ . قالوا : يومٌ حَرامٌ، قال : فأيُّ بلدٍ هذا؟ . قالوا : بلدٌ حَرامٌ، قال : فأيُّ شهرٍ هذا؟ . قالوا : شهرٌ حَرامٌ، قال : فإنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ، كحُرمةِ يومِكم هذا، في بلدِكم هذا، في شهرِكم هذا . فأعادَها مِرارًا، ثم رفَع رأسَه فقال : اللهمَّ هل بلَّغتُ؟، اللهمَّ هل بلَّغتُ؟ . قال ابنُ عباسٍ رضي اللهُ عنهما : فوالذي نفسي بيدِه، إنها لوَصِيَّتُه إلى أُمَّتِه : فلْيُبَلِّغِ الشاهدُ الغائبَ، لا تَرجِعوا بعدي كفارًا، يَضرِبُ بعضُكم رِقابَ بعضٍ .) رواه البخاري



📗افتقار الخلق إلى الله

ثم بين جل وعلا أن الخلق كلهم مفتقرون إليه سبحانه في جلب ما ينفعهم ودفع ما يضرهم في شؤون دينهم ودنياهم، وأنهم لا يملكون لأنفسهم شيئا، فالهداية من الله، والرزق بيد الله، والمغفرة من عند الله، ومن لم يتفضل الله عليه بالهداية والرزق فإنه يحرمهما، ومن لم يتفضل الله عليه بمغفرة ذنوبه أهلكته خطاياه، ولذلك فإن الله يحب أن يسأله العباد جميع مصالح دينهم ودنياهم من طعام وشراب وكسوة وغير ذلك، كما يسألونه الهداية والمغفرة

📗📘غنى الله عن خلقه

ثم بين جل وعلا غناه عن خلقه، وأن العباد لا يستطيعون أن يوصلوا إليه نفعا ولا ضرا، بل هو سبحانه غني عنهم وعن أعمالهم، لا تنفعه طاعة الطائعين ولا تضره معصية العاصين، ولكنه يحب من عباده أن يتقوه ويطيعوه، ويكره منهم أن يعصوه، مع غناه عنهم، وهذا من كمال جوده وإحسانه إلى عباده، ومحبته لنفعهم ودفع الضر عنهم، قال سبحانه: {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد } (فصلت: 46).



📚خزائن الله لا تنفد

ثم بين سبحانه كمال قدرته وسعة ملكه، وعظيم عطائه، وأن خزائنه لا تنفذ، ولا تنقص بالعطاء، ولو أَعْطَى الأولين والآخرين من الجن والإنس، جميع ما سألوه في وقت واحد، وفي ذلك حثُ للخلق على سؤاله وحده، وإنزال حوائجهم به، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يد الله ملأي لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، وقال أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض -( أي لم ينقص) - ما في يده وقال : عرشُه على الماءِ ، وبيدِه الأخرى الميزانُ ، يخفضُ ويرفعُ)



📘📗إحصاء الأعمال

ثم ختم الحديث ببيان عدله وإحسانه على عباده، فبين أنه يحصي أعمال العباد ثم يوفيهم أجورها وجزاءها يوم القيامة، فإن وجد العبد في صحيفته أعمالاً صالحة، فهي محض إحسان وتفضل منه جل وعلا، حيث وفق العبد إليها وأعانه عليها، ووفاه أجرها وثوابها، ولذلك استحق الحمد والثناء، وإن وجد غير ذلك فليقل أن الله عامله بالعدل ولم يظلمه شيئا، وإن كان هناك من يستحق اللوم فهي النفس التي أمرته بالسوء وسولت له المعصية والذنب.

الحديث التاسع والثلاثين من الأربعين النووية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته....
اليوم أن شاء الله مع الحديث (٣٩)من الأربعين النووية
🍂 🍃 🍂 🍃

 عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبيّ فقال : ( كن في الدنيا كأنك غريب ، أو عابر سبيل ) ، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول : " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك " رواه البخاري .



📚الشرح


👈قوله: "أَخَذَ بِمنْكَبَيَّ" أي أمسك بكفتي من الأمام. وذلك من أجل أن يستحضر مايقوله النبي صلى الله عليه وسلم

👈وقال: "كُنْ فِي الدُّنِيا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ" فالغريب لم يتخذها سكناً وقراراً، وعابر السبيل: لم يستقر فيها أبداً، بل هو ماشٍ.

👈وعابر السبيل أكمل زهداً من الغريب، لأن عابر السبيل ليس بجالس، والغريب يجلس لكنه غريب.

👈"كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌ أَوْ عَابرُ سَبِيْلٍ" وهذا يعني الزهد في الدنيا، وعدم الركون إليها، لأنه مهما طال بك العمر فإن مآلك إلى مفارقتها. ثم هي ليست بدار صفاء وسرور دائماً، بل صفوها محفوف بكدرين، وسرورها محفوف بحزنين كما قال الشاعر:

ولاطيبَ للعيشِ مَادامت منغّصةً      لذاتُهُ بادّكارِ الموتِ والهَرَمِ

إذاً كيف تركن إليها؟ كن فيها كأنك غريب لاتعرف أحداً ولايعرفك أحد، أوعابر سبيل أي ماشٍ لاتنوي الإقامة.


👈وَكَانُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُوْلُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ. رواه البخاري.


هذه كلمات من ابن عمر رضي الله عنهما يقول:

 👈 وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ  أي اعمل وتجهّز،


👈 وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ  فالإنسان إذا كان صحيحاً تجده قادراً على الأعمال منشرح الصدر، يسهل عليه العمل لأنه صحيح، وإذا مرض عجز وتعب، أو تعذر عليه الفعل، أو إذا أمكنه الفعل تجد نفسه ضيّقة ليست منبسطة، فخذ من الصحة للمرض، لأنك ستمرض أو تموت.

 وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ  الحي موجود قادر علىالعمل، وإذامات انقطع عمله إلا من ثلاث، فخذ من الحياة للموت واستعد.




📚عندما نتأمل في حقيقة هذه الدنيا ، نعلم أنها لم تكن يوما دار إقامة ، أو موطن استقرار ، ولئن كان ظاهرها يوحي بنضارتها وجمالها ، إلا أن حقيقتها فانية ، ونعيمها زائل ، كالزهرة النضرة التي لا تلبث أن تذبل ويذهب بريقها .


📚تلك هي الدنيا التي غرّت الناس ، وألهتهم عن آخرتهم ، فاتخذوها وطنا لهم ومحلا لإقامتهم ، لا تصفو فيها سعادة ، ولا تدوم فيها راحة ، ولا يزال الناس في غمرة الدنيا يركضون ، وخلف حطامها يلهثون ، حتى إذا جاء أمر الله انكشف لهم حقيقة زيفها ، وتبين لهم أنهم كانوا يركضون وراء وهم لا حقيقة له ، وصدق الله العظيم إذ يقول : { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } ( آل عمران : 185 ) .



📚 وما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليترك أصحابه دون أن يبيّن لهم ما ينبغي أن يكون عليه حال المسلم في الدنيا ، ودون أن يحذّرهم من الركون إليها ؛ فهو الرحمة المهداة ، والناصح الأمين ، فكان يتخوّلهم بالموعظة ، ويضرب لهم الأمثال ، ولذلك جاء هذا الحديث العظيم بيانا وحجة ووصية خالدة . لقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمنكبيّ عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ؛ ليسترعي بذلك انتباهه ، ويجمع إليه فكره ، ويشعره بأهمية ما سيقوله له ، فانسابت تلك الكلمات إلى روحه مباشرة : ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) .

👈وانظر كيف شبّه النبي صلى الله عليه وسلم مُقام المؤمنين في الدنيا بحال الغريب ؛ فإنك لا تجد في الغريب ركونا إلى الأرض التي حل فيها أو أُنسا بأهلها ، ولكنه مستوحش من مقامه ، دائم القلق ، لم يشغل نفسه بدنيا الناس ، بل اكتفى منها بالشيء اليسير .


👈لقد بيّن الحديث غربة المؤمن في هذه الدنيا ، والتي تقتضي منه التمسّك بالدين ، ولزوم الاستقامة على منهج الله ، حتى وإن فسد الناس ، أو حادوا عن الطريق ؛ فصاحب الاستقامة له هدف يصبو إليه ، وسالك الطريق لا يوهنه عن مواصلة المسير تخاذل الناس ، أو إيثارهم للدعة والراحة ، وهذه هي حقيقة الغربة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء ) رواه مسلم .


📚 وإذا كان المسلم سالكاً لطريق الاستقامة ، حرص على قلّة مخالطة من كان قليل الورع ، ضعيف الديانة ، فيسلم بذلك من مساويء الأخلاق الناشئة عن مجالسة بعض الناس كالحسد والغيبة ، وسوء الظن بالآخرين ، وغير ذلك مما جاء النهي عنه ، والتحذير منه .



📚ولا يُفهم مما سبق أن مخالطة الناس مذمومة بالجملة ، أو أن الأصل هو اعتزال الناس ومجانبتهم ؛ فإن هذا مخالف لأصول الشريعة التي دعت إلى مخالطة الناس وتوثيق العلاقات بينهم ، يقول الله تعالى : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا } ( الحجرات : 13 ) ، وقد جاء في الحديث الصحيح : ( المسلم إذا كان مخالطا الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ) رواه الترمذي ،

 👈ولنا في رسول الله أسوة حسنة حين كان يخالط الناس ولا يحتجب عنهم . وإنما الضابط في هذه المسألة : أن يعتزل المرء مجالسة من يضرّه في دينه ، ويشغله عن آخرته ، بخلاف من كانت مجالسته ذكرا لله ، وتذكيرا بالآخرة ، وتوجيها إلى ما ينفع في الدنيا  والآخرة .

📘 ولنا عودة مع قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( كأنك غريب ، أو عابر سبيل ) ، ففي هذه العبارة ترقٍّ بحال المؤمن من حال الغريب إلى حال عابر السبيل ، فعابر السبيل : لا يأخذ من الزاد سوى ما يكفيه مؤونة الرحلة ، ويعينه على مواصلة السفر ، لا يقر له قرار ، ولا يشغله شيء عن مواصلة السفر ، حتى يصل إلى أرضه ووطنه .


📘يقول الإمام داود الطائي رحمه الله : "  إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة، حتى ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم ، فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زادا لما بين يديها فافعل ؛ فإن انقطاع السفر عما قريب ، والأمر أعجل من ذلك ، فتزود لسفرك ، واقض ما أنت قاض من أمرك " .



📘 وهكذا يكون المؤمن ، مقبلا على ربه بالطاعات ، صارفا جهده ووقته وفكره في رضا الله سبحانه وتعالى ، لا تشغله دنياه عن آخرته ، قد وطّن نفسه على الرحيل ، فاتخذ الدنيا مطيّة إلى الآخرة ، وأعد العدّة للقاء ربه ،




📌 ذلك هو المعنى الذي أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصله إلى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ، فكان لهذا التوجيه النبوي أعظم الأثر في نفسه ، ويظهر ذلك جليا في سيرته رضي الله عنه ، فإنه ما كان ليطمئنّ إلى الدنيا أو يركن إليها ، بل إنه كان حريصا على اغتنام الأوقات ، كما نلمس ذلك في وصيّته الخالدة عندما قال رضي الله عنه : " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك "




📘هذه كلمات نيّرات، ولو أننا سرنا على هذا المنهج في حياتنا لهانت علينا الدنيا ولم نبال بها واتخذناها متاعاً فقط للتزود إلى الآخره

الحديث الثامن والثلاثين من الأربعين النووية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته....
اليوم أن شاء الله مع الحديث (٣٨)من الأربعين النووية
🍂 🍃 🍂 🍃
 ﻋﻦ ﺍﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ ، ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ : (ﺇﻥ ﺍﻟﻠﻪ
ﺗﺠﺎﻭﺯ ﻟﻲ ﻋﻦ ﺃﻣﺘﻲ ﺍﻟﺨﻄﺄ ﻭﺍﻟﻨﺴﻴﺎﻥ ، ﻭﻣﺎ ﺍﺳﺘﻜﺮﻫﻮﺍ ﻋﻠﻴﻪ) . ﺣﺪﻳﺚ ﺣﺴﻦ ﺭﻭﺍﻩ ﺍﺑﻦ ﻣﺎﺟﻪ ﻭﺍﻟﺒﻴﻬﻘﻲ ﻭﻏﻴﺮﻫﻤﺎ



📗الشرح



📌معاني المفردات

 تَجَاوَزَ :عفا

والخطأ: أن يرتكب الإنسان العمل عن غير عمد.

والنسيان: ذهول القلب عن شيءٍ معلوم من قبل.

والاستكراه: أن يكرهه شخص على عمل محرم ولايستطيع دفعه، أي: الإلزام والإجبار.


📩وهذه الثلاثة أعذار شهد لها القرآن الكريم.

👈أما الخطأ والنسيان فقد قال الله عزّ وجل: ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا )(البقرة: الآية286) وقال الله عزّ وجل:  ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ )(الأحزاب: الآية5)   .

👈وأما الإكراه: فقال الله عزّ وجل: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النحل:106)

📌فرفع الله عزّ وجل حكم الكفر عن المكرَه،فما دون الكفر من المعاصي من باب أولى لاشك.



👈وفي هذا الحديث إظهار سعة رحمة الله عزّ وجل ولطفه بعباده حيث رفع عنهم الإثم إذا صدرت منهم المعصيةعلى هذه الوجوه الثلاثة، ولو شاء الله لعاقب من خالف أمره على كل حال.


📌أن جميع المحرّمات في العبادات وغير العبادات إذا فعلها الإنسان جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلاشيء عليه فيما يتعلق بحق الله، أما حق الآدمي فلا يعفى عنه من حيث الضمان،وإن كان يُعفى عنه من حيث الإثم.


📚ﻓﺄﻣﺎ ﺍﻟﺨﻄﺄ ، ﻓﻬﻮ ﺃﻥ ﻳﺮﻳﺪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻌﻞ ﺷﻲﺀ ، ﻓﻴﺄﺗﻲ ﻓﻌﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ
ﻣﺮﺍﺩﻩ ، ﻓﻬﺬﺍ ﻗﺪ ﺑﻴﻨﺖ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻗﺪ ﺗﺠﺎﻭﺯ ﻋﻨﻪ ، ﻭﻟﻢ ﻳﺆﺍﺧﺬ
ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺑﻪ .



👈ﻭﻟﻌﻞ ﻣﻦ الأمثلة ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺎﺏ ، ﻣﺎ ﺫﻛﺮﻩ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﻭ ﻣﺴﻠﻢ
ﻓﻲ ﻏﺰﻭﺓ ﺧﻴﺒﺮ ، ﻟﻤﺎ ﺗﺒﺎﺭﺯ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﻲ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﻦ ﺍﻷﻛﻮﻉ ﺭﺿﻲ
ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻣﻊ ﻣﺸﺮﻙ ، ﻓﺄﺭﺍﺩ ﻋﺎﻣﺮ ﺃﻥ ﻳﻘﺘﻞ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺸﺮﻙ ﻓﺮﺟﻌﺖ ﺿﺮﺑﺘﻪ
ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻤﺎﺕ ، ﻓﺘﺤﺪﺙ ﻧﻔﺮ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ
ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﻥ ﻋﺎﻣﺮﺍ ﻗﺘﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﺒﻄﻞ ﺑﺬﻟﻚ ﻋﻤﻠﻪ ، ﻓﺬﻫﺐ ﺃﺧﻮﻩ
ﺳﻠﻤﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻫﻮ ﻳﺒﻜﻲ ﻓﻘﺎﻝ
ﻟﻪ : ‏( ﻣﺎﻟﻚ ؟ ‏) ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ : ﻗﺎﻟﻮﺍ ﺇﻥ ﻋﺎﻣﺮﺍ ﺑﻄﻞ ﻋﻤﻠﻪ ، ﻓﻘﺎﻝ : ‏( ﻣﻦ
ﻗﺎﻝ ﺫﻟﻚ ؟ ‏) ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ : ﻧﻔﺮ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺑﻚ ، ﻓﻘﺎﻝ : ‏( ﻛﺬﺏ ﺃﻭﻟﺌﻚ ، ﺑﻞ
ﻟﻪ ﺍﻷﺟﺮ ﻣﺮﺗﻴﻦ ‏) ، ﻓﻔﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﺩﺛﺔ ﻟﻢ ﻳﻘﺼﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﻲ ﺃﻥ
ﻳﻘﺘﻞ ﻧﻔﺴﻪ ، ﺑﻞ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﻘﺘﻞ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺸﺮﻙ ﻓﺠﺎﺀﺕ ﺿﺮﺑﺘﻪ ﻋﻠﻴﻪ
، ﻓﺒﻴﻦ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﻥ ﺧﻄﺄﻩ ﻫﺬﺍ ﻣﻌﻔﻮ ﻋﻨﻪ .



📗ومثال آخر رجل تكلّم في الصلاة يظن أن هذا الكلام جائز، فلا تبطل صلاته لأنه جاهل مخطئ ارتكب الإثم عن غير قصد،

👈وهذا فيه نص خاص وهو: أن معاوية بن الحكم رضي الله عنه دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة، فسمع عاطساً عطس فحمد الله، فقال له معاوية رضي الله عنه: يرحمك الله ، فرماه الناس بأبصارهم، أي جعلوا ينظرون إليه نظر إنكار فقال: واثكل أمّياه - كلمة توجع - فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكّتونه فسكت، فلمّا انتهت الصلاة دعاه من كان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً محمد صلى الله عليه وسلم، قال معاوية: فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً أحسن تعليماً منه، ماقهرني، ولاشتمني، ولاضربني، وإنما قال: "إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لاَيَصْلُحُ فِيْهَا شَيءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ إِنَّمَا هِيَ التَّكْبِيْرُ والتَّسبِيْحُ وَقِرَاءةُ القُرْآنِ"

👈وجه الدلالة من هذا الحديث: أنه لم يأمره بالإعادة، ولو كانت الإعادة واجبة عليه لأمره بها كما أمر الذي لايطمئن في صلاته أن يعيد صلاته.


🌿📗ومثال آخر صائم أكل يظن الشمس غربت ثم تبيّن أنها لم تغرب، كمن سمع أذاناً وظنه أذان بلده فأكل ثم تبيّن أنه لم يؤذن فيه ولم تغرب الشمس، فليس عليه قضاء لأنه جاهل إذ لو علم أن الشمس باقية لم يأكل، ولو ضُرب على هذا لم يأكل، فظن أن الشمس غربت بسماع هذا الأذان فأكل فلاشيء عليه.

👈وقد جاء النص في هذه المسألة بعينها، فقد روت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنهم أفطروا في يوم غيمٍ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس  إذاً هم أفطروا قبل أن تغرب الشمس ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء، ولو كان القضاء واجباً عليهم لأمرهم به لوجوب الإبلاغ عليه، ولو أمرهم به لكان من الشريعة، وإذا كان من الشريعة فالشريعة محفوظةلابد أن تنقل إلينا ولم تنقل، فدل هذا على أنه لا يجب عليهم القضاء

📩ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺭﻓﻊ ﺍﻹﺛﻢ ﻭﺍﻟﺤﺮﺝ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺨﻄﻲﺀ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻋﺪﻡ
ﺗﺮﺗﺐ ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺧﻄﺌﻪ ﻋﻠﻴﻪ ، ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩ ؛ ﻟﺬﻟﻚ
ﻳﻄﺎﻟﺐ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺑﺎﻟﺪﻳﺔ ﻭﺍﻟﻜﻔﺎﺭﺓ ﺇﺫﺍ ﻗﺘﻞ ﻣﺴﻠﻤﺎ ﺧﻄﺄ ، ﻛﻤﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻠﻪ
ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ : } ﻭﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻟﻤﺆﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻘﺘﻞ ﻣﺆﻣﻨﺎ ﺇﻻ ﺧﻄﺄ ﻭﻣﻦ
ﻗﺘﻞ ﻣﺆﻣﻨﺎ ﺧﻄﺄ ﻓﺘﺤﺮﻳﺮ ﺭﻗﺒﺔ ﻣﺆﻣﻨﺔ ﻭﺩﻳﺔ ﻣﺴﻠﻤﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻫﻠﻪ ﺇﻻ ﺃﻥ
ﻳﺼﺪﻗﻮﺍ ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻗﻮﻡ ﻋﺪﻭ ﻟﻜﻢ ﻭﻫﻮ ﻣﺆﻣﻦ ﻓﺘﺤﺮﻳﺮ ﺭﻗﺒﺔ ﻣﺆﻣﻨﺔ
ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻗﻮﻡ ﺑﻴﻨﻜﻢ ﻭﺑﻴﻨﻬﻢ ﻣﻴﺜﺎﻕ ﻓﺪﻳﺔ ﻣﺴﻠﻤﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻫﻠﻪ ﻭﺗﺤﺮﻳﺮ
ﺭﻗﺒﺔ ﻣﺆﻣﻨﺔ ﻓﻤﻦ ﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﻓﺼﻴﺎﻡ ﺷﻬﺮﻳﻦ ﻣﺘﺘﺎﺑﻌﻴﻦ ﺗﻮﺑﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻛﺎﻥ
ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻤﺎ ﺣﻜﻴﻤﺎ { ‏( ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ : 92 ‏) .


📚ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﻨﺴﻴﺎﻥ : ﻓﻘﺪ ﺑﻴﻨﺖ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺃﻧﻪ ﻣﻌﻔﻮ ﻋﻨﻪ ، ﻭﻳﺸﻬﺪ ﻟﺬﻟﻚ ﻗﻮﻟﻪ
ﺗﻌﺎﻟﻰ : } ﺭﺑﻨﺎ ﻻ ﺗﺆﺍﺧﺬﻧﺎ ﺇﻥ ﻧﺴﻴﻨﺎ ﺃﻭ ﺃﺧﻄﺄﻧﺎ { ‏( ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ : 286 ‏) ،

📌 هذا الحديث عام في كل حق لله عزّ وجل من المحظورات، أما المأمورات فإنها لايسقط أداؤها وقضاؤها،فلابد أن تُفعل. ولكن يسقط الإثم في تأخيرها بعذر.


📩مثال ﺫﻟﻚ  ، ﻓﻤﻦ ﻧﺴﻲ
ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻓﻴﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﻘﻀﻴﻬﺎ ﻣﺘﻰ ﻣﺎ ﺫﻛﺮﻫﺎ فعلى هذا نقول: إذا ترك واجباً فلابد من فعله، ويدل لهذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ نَامَ عَنْ صَلاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصِلِّهَا إِذَا ذَكَرهَا"  فعذره عن التأخير ولم يعذره عن القضاء، بل أمره بالقضاء. ،

📌 ﻭﻣﻦ ﻧﺴﻲ ﺍﻟﻮﺿﻮﺀ
ﺛﻢ ﺻﻠّﻰ ﻓﺈﻧﻪ ﺗﻠﺰﻣﻪ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﻼﺓ .


📚ﻭﺛﺎﻟﺚ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ : ﺍﻹﻛﺮﺍﻩ ، ﻓﻘﺪ ﻳُﻜﺮﻩ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻋﻠﻰ ﻓﻌﻞ ﺷﻲﺀ ﻻ
ﻳﺮﻳﺪﻩ ، ﻭﺣﻴﻨﺌﺬٍ ﻻ ﻳﻘﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻹﺛﻢ ﺃﻭ ﺍﻟﺤﺮﺝ .
ﻭﻗﺪ ﺃﻧﺰﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﻮﻟﻪ : } ﻣﻦ ﻛﻔﺮ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﺇﻳﻤﺎﻧﻪ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺃﻛﺮﻩ
ﻭﻗﻠﺒﻪ ﻣﻄﻤﺌﻦ ﺑﺎﻹﻳﻤﺎﻥ { ‏( ﺍﻟﻨﺤﻞ : 106 ‏) ﻟﻤﺎ ﺃﺟﺒﺮ ﺍﻟﻤﺸﺮﻛﻮﻥ ﻋﻤﺎﺭ ﺑﻦ
ﻳﺎﺳﺮ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﻗﻮﻝ ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﻜﻔﺮ ، ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺩﻟﻴﻼ
ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻲ ﺍﻟﺤﺮﺝ ﻋنه لأنه مكره
ﻭﻗﺪ ﺍﺳﺘﺜﻨﻰ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﻻ ﺗﺪﺧﻞ ﺿﻤﻦ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺭﻓﻊ
ﺍﻟﺤﺮﺝ ﺑﺎﻹﻛﺮﺍﻩ ، ﻧﺤﻮ ﻗﺘﻞ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﻤﻌﺼﻮﻣﺔ
 ﺃﻭ ﺍﻟﺰﻧﺎ ﻭﻧﺤﻮ ﺫﻟﻚ ﻣﻤﺎ
ومثال ذلك رجل أُكره على قتل إنسان وقال له المكره: إما أن تقتل فلاناً أو أقتلك، وهو يقدر أن يقتله، فقتله، فإن القاتل المكره اثم ويطبق عليه الحد ، لأن حق الآدمي لايعذر فيه بالإكراه.



📚ذكرنا أولاً أن هذا في حق الله، أما في حق المخلوق فلا يسقط الضمان وإن سقط الإثم، مثال ذلك: رجل اجتر شاة ظنها شاته فذكّاها وأكلها، فتبيّن أنها لغيره، فإنه يضمنها لأن هذا حق آدمي، وحقوق الآدمي مبنية على المشاحة، ويسقط عنه الإثم لأنه غير متعمّد لأخذ مال غيره.فلابد من إرجاع المال لصاحبه

📗ﻭﺣﺎﺻﻞ ﺍﻷﻣﺮ ، ﻓﺈﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻦ ﺃﻭﺿﺢ ﺍﻷﺩﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻳُﺴﺮ ﻣﻨﻬﺞ
ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻭﺳﻤﺎﺣﺘﻪ ، ﻛﻤﺎ ﺇﻧﻪ ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻓﻀﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻫﺎ
ﻣﻦ ﺍﻷﻣﻢ ، ﺣﻴﺚ ﺧﻔّﻒ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻣﻢ ﻗﺒﻠﻬﺎ ، ﻓﻠﻠﻪ ﺍﻟﺤﻤﺪ
ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻭﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﻋﻠﻰ ﻧﻌﻤﺔ ﺍﻹﺳﻼﻡ

الحديث السابع والثلاثين من الأربعين النووية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته....
اليوم أن شاء الله مع الحديث(٣٧)من الأربعين النووية
🍂 🍃 🍂 🍃
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 إن الله قال (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)

رواه البخاري.




📝الشرح



🍃هذا الحديث الذي أورده الإمام النووي رحمه الله من الأحاديث القدسيه

📝معاني المفردات

🍂عادى: آذى وأبغض وأغضب بالقول أو الفعل.
🍂ولياً: أصل الموالاة القرب وأصل المعاداة البعد، والمراد بولي الله كما قال الحافظ ابن حجر : العالم بالله، المواظب على طاعته، المخلص في عبادته .
🍃آذنته بالحرب: آذن بمعنى أعلم وأخبر، والمعنى أي أعلمته بأني محارب له حيث كان محاربا لي بمعاداته لأوليائي.
🍃النوافل: ما زاد على الفرائض من العبادات.
🍂استعاذني: أي طلب العوذ والالتجاء والاعتصام بي من كل ما يخاف منه.

🌿منزلة الحديث

📌قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا الحديث: هو أشرف حديث روي في صفة الأولياء ،




📌 وقال الشوكاني : هذا الحديث قد اشتمل على فوائد كثيرة النفع، جليلة القدر لمن فهمها حق فهمها وتدبرها كما ينبغي .

📝من هم أولياء الله ؟

👈قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله-  من كان مؤمناً تقياً كان لله وليَّاً  أخذه من الآية:  (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)  [يونس:63]
👈وصف الله أوليائه في كتابه فقال: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون }(يونس: 62-63)، فوصفهم سبحانه بهذين الوصفين الإيمان والتقوى، وهما ركنا الولاية الشرعية، فكل مؤمن تقي فهو لله ولي، وهذا يعني أن الباب مفتوح أمام من يريد أن يبلغ هذه المنزلة العليه ، وذلك بالمواظبة على طاعة الله في كل حال، وإخلاص العمل له، ومتابعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - في الدقيق والجليل.

📌يقول الشوكاني : المعيار الذي تعرف به صحة الولاية، هو أن يكون عاملاً بكتاب الله سبحانه وبسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم - مؤثراً لهما على كل شيء، مقدماً لهما في إصداره وإيراده، وفي كل شؤونه،فإذا زاغ عنهما زاغت عنه ولايته ، وبذلك نعلم أن طريق الولاية الشرعي ليس سوى محبة الله وطاعته واتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأن كل من ادعي ولاية الله ومحبته بغير هذا الطريق، فهو كاذب في دعواه.

📚حرمة معاداة أولياء الله

أولياء الله تجب مولاتهم وتحرم معاداتهم، وكل من آذى ولياً لله بقول أو فعل، فإن الله يعلمه بأنه محارب له، وأنه سبحانه هو الذي يتولى الدفاع عنه، وليس للعبد قبل ولا طاقة بمحاربة الله عز وجل، قال سبحانه: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون } (المائدة: 55-56).



📝فضل الأعمال الصالحة
🍂 أن الأعمال الصالحة تقرب إلى الله عزّ وجل، والإنسان يشعر هذا بنفسه إذا قام بعبادة الله على الوجه الأكمل من الإخلاص والمتابعة وحضور القلب أحس بأنه قَرُبَ من الله عزّ وجل. وهذا لايدركه إلا الموفقون، وإلا فما أكثر الذين يصلون ويتصدقون ويصومون، ولكن كثيراً منهم لايشعر بقربه من الله، وشعور العبد بقربه من الله لاشك أنه سيؤثر في سيره ومنهجه.



🌿أن أوامر الله عزّ وجل قسمان: فريضة، ونافلة. والنافلة: الزائد عن الفريضة، ووجه هذا التقسيم قوله: "وَمَا تَقَرَّبَ إِلِيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِليَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ. ولايَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ".



👈وتتفاضل الأعمال من حيث الجنس كما تتفاضل من حيث النوع. فمن حيث الجنس: الفرائض أحب إلى الله من النوافل. ومن حيث النوع:الصلاة أحب إلى الله مما دونها من الفرائض، ولهذا سأل ابن مسعود رضي الله عنه رسول الله  : أي الأعمال - أو العمل - أحب إلى الله؟ فقال: "الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا"

👈فالأعمال تتفاضل في أجناسها، وتتفاضل أجناسها في أنواعها، بل وتتفاضل أنواعها في أفرادها. فكم من رجلين صليا صلاة واحدة واختلفت مرتبتهما ومنزلتهما عند الله كما بين المشرق والمغرب.




📚وفي الحديث الحثّ على كثرة النوافل، لقوله تعالى في الحديث القدسي: "وَلاَيَزَالُ عَبدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ".

أن كثرة النوافل سبب لمحبة الله عزّ وجل، لأن: (حتى) للغاية، فإذا أكثرت من النوافل فأبشر بمحبة الله لك.



📚آثار محبة الله لأوليائه

إذا استوجب العبد محبة الله ظهرت آثار المحبة عليه، وهذه الآثار بينها سبحانه في قوله: (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها) ، والمقصود أن الله يسدده في سمعه وبصره ويده ورجله، ويكون المعنى: أن يُوفّق هذا الإنسان فيما يسمع ويبصر ويمشي ويبطش. وهذا أقرب، أن المراد: تسديد الله تعالى العبد في هذه الجوارح. ، فلا تنبعث جوارحه إلا بما يحبه مولاه، فإن نطق لم ينطق إلا بما يرضي الله، وإن سمع لم يسمع ما يسخط الله، وإن نظر لم ينظر إلى ما حرم الله، وإن بطش لم يبطش إلا لله، وهكذا





📚إجابة دعاء الولي

وإذا بلغ العبد هذه المنزلة - منزلة الولاية - فإن الله يكرمه بأن يجعله مجاب الدعوة، فلا يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه، ولا يستعيذ به من شيء إلا أعاذه منه، وذلك لكرامته على الله تعالى، وقد عرف كثير من الصحابة بإجابة الدعاء، كالبراء بن مالك ، والبراء بن عازب ، وسعد بن أبي وقاص وغيرهم، وقد يدعو الولي فلا يستجاب له، لما يعلم الله من أن الخيرة له في غير ما سأله، فيعوضه بما هو خير له في دينه ودنياه، فقد أخرج الإمام أحمد عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث، إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذاً نُكْثِر، قال: الله أكثر) .

الحديث السادس والثلاثين من الأربعين النووية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته....
اليوم أن شاء الله مع الحديث(٣٦) من الأربعين النووية
🍂 🍃 🍂 🍃
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال:

إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنةً كاملةً، وإن همّ بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، وإن همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنةً كاملةً، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئةً واحدةً.

(رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما بهذه الحروف)




📕الشرح


👈قوله "فيمَا يَرويهِ عَنْ رَبِّهِ" يسمى هذا الحديث عند العلماء حديثاً قدسياً. فهذا الحديث الذي أورده الإمام النووي من الأحاديث القدسيه ولقد تم شرحه من قبل في الأحاديث القدسيه وكان لفظ الحديث للإمام مسلم أما ما أورده الإمام النووي فلفظه للإمام البخاري


👈قوله "كَتَبَ" أي كتب وقوعها وكتب ثوابها، فهي واقعة بقضاء الله وقدره المكتوب في اللوح المحفوظ، وهي أيضاً مكتوب ثوابها كما سيبين في الحديث.

⬅أما وقوعها: ففي اللوح المحفوظ.

⬅وأما ثوابها: فبما دل عليه الشرع.

👈" ثُمَ بَيَّنَ ذَلِك" أي فصله.

📕منزلة الحديث

هذا الحديث يبين عظيم فضل الله ورحمته بعباده، ويبعث الأمل في نفس المؤمن، ويدفعها للعمل الصالح وكسب الأجر والثواب، فما أعظمه من حديث لترغيب القانطين من رحمة الله.

📩كتابة الحسنات والسيئات

تضمن الحديث بألفاظه المختلفة طريقة كتابة الحسنات والسيئات وأن ذلك على أربعة أنواع، هي:

📕1- الهم بالحسنة: فإذا هم العبد بعمل الحسنة ولم يعملها كتبها الله له حسنة كاملة من دون مضاعفة لها، وقوله: (إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة) المراد به الهمُّ والعزم المصمم الذي يوجد معه الحرص على العمل، وليس مجرد الخاطر العابر، ومما يدل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - كما في المسند بإسناد صحيح: (فعلم الله أنه قد أشعرها قلبه وحرص عليها كتبت له حسنة) ، وهذه هي نية الخير التي ينبغي على العبد أن يستصحبها في كل عمل، ليكتب له أجر العمل وثوابه ولو لم يعمله، وفي الحديث الصحيح: (إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا شركوكم في الأجر حبسهم العذر) رواه مسلم ،


📗فإن قيل: كيف يثاب وهو لم يعمل؟

فالجواب: يثاب على العزم ومع النية الصادقة تكتب حسنة كاملة.

📌واعلم أن من هم بالحسنة فلم يعملها على وجوه:


1⃣الوجه الأول:أن يسعى بأسبابها ولكن لم يدركها، فهذا يكتب له الأجر كاملاً، وكأنه فعلها فيأخذ أجر الهم وأجر العمل لأنه سعي بالأسباب لقول الله تعالى: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )(النساء: الآية100)


2⃣الوجه الثاني:أن يهم بالحسنة ويعزم عليها ولكن يتركها لحسنة أفضل منها،فهذا يثاب ثواب الحسنة العليا التي هي أكمل، ويثاب على همه الأول للحسنة الدنيا


👈  فهذا انتقل من أدنى إلى أعلى
.

3⃣الوجه الثالث:أن يتركها تكاسلاً، مثل أن ينوي أن يصلي ركعتي الضحى،فقرع عليه الباب أحدهم وتحدث معه فترك الصلاة ،فهذا يثاب على الهم الأول والعزم الأول، ولكن لا يثاب على الفعل لأنه لم يفعله بدون عذر،وبدون انتقال إلى ما هو أفضل. تكتب حسنه واحده دون مضاعفة


📕2- عمل الحسنة: إذا عمل العبد الحسنة ضاعفها الله له إلى عشر أمثالها، وهذه المضاعفة ملازمة لكل حسنة يعملها العبد، وأما زيادة المضاعفة على العشر فهي لمن شاء الله أن يضاعف له، فقد تضاعف إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، كما ثبت ذلك في نصوص عديدة منها قوله تعالى في النفقة: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم } (البقرة: 261)، فدلت هذه الآية على أن النفقة في سبيل الله تضاعف إلى سبعمائة ضعف،

🍃وفي السنن عن خريم بن فاتك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له بسبعمائة ضعف) صححه الألباني



⬅وقد تضاعف إلى أكثر من ذلك كما في حديث دعاء السوق الذي رواه الترمذي عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة) .

👈وهناك أعمال لا يعلم مضاعفة أجرها إلا الله سبحانه كالصوم ففي الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به) أخرجاه في الصحيحين، لأنه أفضل أنواع الصبر، وإنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب.



♻ومضاعفة الحسنات زيادة على العشر تكون بأمور منها: حسن إسلام المرء كما جاء ذلك مصرحاً به في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكل سيئة يعملها تكتب بمثلها حتى يلقي الله) رواه مسلم ،


♻ومنها كمال الإخلاص، وفضل العمل، وزمن إيقاعه، وشدة الحاجة إليه.


📕3- الهم بالسيئة: الهم بالسيئات من غير عمل لها، فإذا هم العبد بفعل سيئة ثم تركها من أجل الله فإنها تكتب له حسنة كاملة، بشرط أن يقدر عليها ثم يتركها خوفاً من الله كما في الحديث  في لفظ مسلم (إنما تركها من جراي) يعني من أجلي.

⬅وأما إن هم بالسيئة ثم تركها مراءاة للمخلوقين أو خوفاً منهم، أو عجزاً عنها، فإنه لا يستحق أن تكتب له حسنة كاملة، بل تكتب عليه سيئة بالنية كما في حديث: (إنما الدنيا لأربعة نفر) وذكر منهم رجلاً لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان من أهل المعصية والفسق فقال عليه الصلاة والسلام: (فهو بنيته فوزرهما سواء) رواه الترمذي .

👈وأما إن سعى إلى المعصية ما أمكن ثم حال بينه وبينها القدر فقد ذكر جماعة من أهل العلم أنه يعاقب عليها حينئذ عقاب من فعلها، بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قلت يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟! قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه) .



📩وأما إذا لم تصل المعصية إلى مرتبة الهم والعزم كأن تكون مجرد خاطر يمر على القلب ولا يساكنه، بل ربما كرهه صاحبه ونفر منه، فإنه معفو عنه ولا يحاسب المرء عليه، بدليل قوله سبحانه: ارقبوه، فإن عملها فاكتبوها له بمثلها {لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء } (البقرة: 284)، فإن هذه الآية لما نزلت شق ذلك على الصحابة، فظنوا دخول الخواطر فيها فنزلت الآية بعدها وفيها قوله سبحانه: {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} (البقرة: 286)
🍃وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) .



📕4- عمل السيئة: فإذا عمل العبد سيئة فإنها تكتب عليه من غير مضاعفة، كما قال سبحانه: { ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون } (الأنعام: 160)،



📚لا يهلك على الله إلا هالك

وبعد هذا الفضل العظيم، والرحمة الواسعة منه جل وعلا، لا يهلك على الله إلا من استحق الهلاك، وأغلقت دونه أبواب الهدى والتوفيق، مع سعة رحمة الله تعالى وعظيم كرمه، حيث جعل السيئة حسنة إذا لم يعملها العبد، وإذا عملها كتبها واحدة أو يغفرها، وكتب الحسنة للعبد وإن لم يعملها ما دام أنه نواها، فإن عملها كتبها عشر حسنات، إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، فمن حُرِم هذه السعة، وفاته هذا الفضل، وكثرت سيئاته حتى غلبت مع أنها أفراد، وقلت حسناته مع أنها مضاعفة فهو الهالك المحروم،


⏩ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: ويل لمن غلبت وِحْداتُه عشراتَه .




📩ولقد بين لنا الحديث اهميه النيه في كل عمل فكم من عمل صغير تعظمه النيه وكم من عمل كبير تصغره النيه فالعاقل من لا يخطو خطوه إلا وفيها نيه يحتسب أجرها لله حتى النوم